الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

الحراك الشبابي بين السلطة و المعارضة التقليدية


مشهد المدرعات وقوات الأمن التي أحاطت بمجلس الأمة يوم الأحد الماضي كان غير مسبوق تاريخيا، وخير معبِّر عن واقع الحال. مجلس مرفوض وساقط شعبيا، سلطة ماضية في السير عكس حركة التاريخ وشبان وشابات يتصدون بسلميتهم للسلطة من جهة وللمعارضة التقليدية من جهة أخرى.. مع الفارق بطبيعة صراع الناشطين الشباب مع الطرفين، فالسلطة خصم يحتكر القوة، ويرفض الانخراط في عملية الإصلاح الشامل. أما المعارضة التقليدية، فشريك في التصدِّي للسلطة، تربطهم به علاقة متغيِّرة بين مد وجزر.
الحراك الشبابي والمعارضة التقليدية (تيارات سياسية ونواب) 
على مدى الأعوام الثلاثة الماضية كانت تظهر بوادر خلاف تارة، بسبب تحديد مكان الاعتصام بين ساحتي الإرادة والصفاة، وتارة بالتبرؤ من مسيرات يقوم بها ناشطون شباب عقب تجمُّعات تنظمها حركة نهج، ثم تصاعد الخلاف، بسبب عدم الرضا عن خطاب المعارضة منخفض السقف، ويبدو أنه بلغ ذروته الأسبوع الماضي، بسبب المبيت بين مؤيد ومعارض كليا للفكرة أو معارض جزئية شمول النساء بالمبيت.
 لم تكن هذه الخلافات مجرَّد خلاف على أمور تنظيمية أو شكلية فقط، بل هي تعبِّر عن خلاف جوهري برؤية الطرفين للإصلاح المنشود، فالوعي السياسي للناشطين الشباب يتخطى المعارضة التقليدية بمراحل، ففي حين يطرح الشباب رؤى تتعلق بشكل النظام الديمقراطي والإصلاحات المطلوبة وإشهار الأحزاب، كانت المعارضة التقليدية تحصر الصراع بأشخاص، ومن ثم انقسمت بين رافض ومتردد، ثم أخيرا مؤيد.
يتجدد الناشطون الشباب باستمرار، وهم كتلة عابرة للأيديولوجيا والمذهب وكل أشكال الانتماء، فيما تتورَّط المعارضة التقليدية بخطاب إقصائي أحيانا من بعض المحسوبين عليها، وتقوم على ردود الفعل، وتقدم خطابا استجدائيا أحيانا لا يليق بدولة الحقوق التي نريد، بل بمشيخات القرن الماضي.
يتحدَّث الشباب عن مفاهيم، كالمساواة والعدالة الاجتماعية والحريات الشخصية والعامة والحقوق المدنية واحترام حقوق الإنسان، وهي مفاهيم لم تتردد بالدرجة ذاتها لدى الطرف الآخر، وهو مؤشر ربما على صدام قادم في ما يخص هذه القضايا وتجربة المجلس المبطل ليست عنا ببعيدة.
 كما أن نظرة كلا الطرفين للآخر من أسباب التوتر المسكوت عنه، فبعض المحسوبين على المعارضة التقليدية ينظر للناشطين الشباب كأتباع لا شركاء، فيما يصر الناشطون الشباب على استقلاليتهم.
ولعل سعي الناشطين الشباب لتغيير قواعد لعبة احترفتها المعارضة التقليدية وامتلكت كل أدواتها يفسر بعض التوتر والخلاف.رغم كل هذه الاختلافات والخلافات، فإننا متفائلون بمستقبل الحراك المعارض بطرفيه، ذلك أن الخلاف الذي تعمَّق أخيرا ليس سيئا أبدا، لانه سيساهم بعملية الفرز والغربلة للمعارضة وتقويم مسارها، ولأنه سيرسخ استقلالية الشركاء الحراك الشبابي من جهة، والمعارضة التقليدية من جهة أخرى، بالإضافة إلى انه يفتح حوارا سياسيا نحن بأمسِّ الحاجة له بين مختلف الأطراف المعارضة عن الحقوق والواجبات وتحديد الأهداف والرؤى المستقبلية للحراك المعارض.
الحراك الشبابي والسلطة
 تحدثنا مطولا في مقالات سابقة عن هذا الصراع، لذا فالنقطة الجوهرية بالنسبة لي في هذه المرحلة هي التأكيدأن ما يحصل اليوم ليس أزمة عابرة ولا مجموعة من المؤزمين والانقلابيين، كما يتوهم البعض، وليست القضية مجرَّد مرسوم وانتخابات ومقعد أخضر، فكل هذه القضايا مجرَّد تفاصيل يُراد لنا أن نغرق فيها، وننسى جذر المشكلة.
إن ما يحصل اليوم هو صراع على شكل النظام السياسي، طال وتأجل كثيرا، وآن أوان حسمه، فإما ديمقراطية وإما نقيضها. إن التأخر في حسم هذا الصراع هو ما أعاقنا عن النهوض طوال العقود الماضية، وطالما استمر سيستمر الجمود والتأخر.
وبينما تنتظرون الحسم سترتفع نسب التضخم وتطول مدد انتظار الوظائف ويقل عدد الأسرة المتاحة بالمستشفيات ويصبح امتلاك منزل حلما بعيد المنال، وتمتلئ الزنازين بمعتقلي الرأي والنوايا، فالخيار لكم ان تنتظروا أو ترجحوا الكفة وتحسموا هذا الصراع لمصلحة الديمقراطية، فلا تنمية بلا ديمقراطية، ولا تصدقوا من يببعكم الاستقرار والتنمية بثمن حرياتكم، بل رددوا دائما: لا تنمية بلا ديمقراطية، ولعل المجلس الحالي الموالي تماما سيثبت صحة قولنا هذا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما رأيك في التدوينة؟