الأربعاء، 12 ديسمبر 2012

مُـعيقـات المُـواطنـة


في الديمقراطيات الراسخة لا يُصوِّت المواطنين بناءً على الانتماء المذهبي أو القبلي، ولا يترشحون على هذا الأساس أيضاً، فالمواطن الأميركي مثلاً تجاوز الحدود الدينية والعرقية في تصويته، حيث يكون التصويت لخطط وبرامج وأحزاب، لا لدين أو لعرق.. هذا في الديمقراطيات الراسخة، حيث الهوية الجامعة أكثر رسوخاً، فثمة تلازم هنا وثمة علاقة طردية.
إن وجود هوية جامعة شاملة لأبناء الوطن قوامها المواطنة المتساوية أمام القانون، يعد أحد أهم البنى الأساسية لأي دولة في عصرنا، ولا سيما الديمقراطية منها، وهو اختبار فشلت فيه الدولة العربية الحديثة أو دولة ما بعد الاستقلال بنسب متفاوتة، وبات هذا الأمر حقيقة لا جدال فيها.
وبنظرة لواقعنا المحلي، نرى مكامن الخلل بوضوح، حيث تحضر الهويات الفرعية أو هويات ما قبل الدولة مقابل غياب للهوية الجامعة، فالطائفة والقبيلة والأسر ذات النفوذ أضحت انتماءات سياسية يُصوِّت لها وتمثلها مقاعد في البرلمان، وأخيراً أصبحت قبائل بعينها تصنف كأقليات أنصفها مجلس الصوت الواحد، وهنا لا بد من وقفة لتعريف الأقلية بشكل مبسط، فهي مجموعة من الأفراد الذين تربطهم خصائص إثنية أو دينية تختلف عن خصائص غالبية السكانوبناءً عليه، فلا يجوز تصنيف القبائل كأقليات في بحر يماثلها، لغة وديناً، ومن يفعل، يكون إما جاهلا بالمصطلح أو عامدا لإفساد الديمقراطية بمحاصصة شبيهة بما يحدث في لبنان والعراق (نرد هنا حجة مناصري الصوت الواحد عليهم، حيث ساهم في المزيد من التفكيك والتفتيت لمفهوم المواطنة).
إن الانتماء لجسم اجتماعي ذي تاريخ عريق ومتصل بجذور هذه الأرض لا يخل بالمواطنة أبداً، إنما المشكلة تكون باستعمال هذا الجسم، كانتماء سياسي والتعصب له وتحقير ما عداه في ما يُعرف بـ «القبلية»، وهي ليست حصراً على أبناء القبائل، بل تحوَّلت الطائفة في الكويت لانتماء سياسي يُتعصب له في ما يشبه النزعة القبلية أيضاً.
إذاً، لم ننجح بعد في تجاوز حدود القبيلة والمذهب، بسبب انكفاء كل منا داخل حدود هويته الفرعية (القبلية أو الطائفية أو العائلية)، لكن لماذا فشلنا؟ وكيف نجح الأميركيون الذين يحوي مجتمعهم تناقضات كبيرة؟! 
إن الإجابة عن سؤال المواطنة تكمن في العدالة والمساواة أمام القانون، وهذا نقيض ما يحدث اليوم من اعتقالات تعسفية لشباب وأطفال مارسوا حق التظاهر السلمي في منطقتي صباح الناصر والصباحية مثلاً . 
إن شعور المواطنين بالتهميش والظلم واحتكار السلطة في فئة قليلة من المتنفذين والتمييز بين المواطنين أمام القانون والتمييز على أسس جندرية أو دينية.. كلها من معيقات المواطنة التي تؤدي إلى لجوء المواطنين للهويات الفرعية، فتكون القبيلة، وتكون الطائفة، ويُلام هنا من خلق هذه الظروف أكثر ممن استجاب لها.
وكما أن الإجابة عن سؤال المواطنة تكمن في العدالة، فإن الإجابة عن سؤال الديمقراطية المطروح بقوة اليوم في دولنا العربية يتمثل في المواطنة بكل بساطة، فالمصطلحان متلازمان .
إن تحقيق وترسيخ مفهوم المواطنة الكاملة، حيث الدولة لجميع مواطنيها، بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين، كفيل بتراجع الهويات الفرعية القبلية والطائفية والعائلية لمصلحة هوية جامعة قوامها المواطنة، وبالتالي تخليصنا من ممارسات غير ديمقراطية، كالتي طالعتنا بها الأخبار الأسبوع الماضي من أقليات مزعومة إلى مطالبات بالمحاصصة الطائفية بالتشكيل الحكومي.
إننا لا نزعم أن ترسيخ المواطنة والهوية الجامعة كفيل وحده بتحقيق الديمقراطية، إلا أنها خطوة أساسية مطلوبة في الطريق إلى ديمقراطية حقيقية وراسخة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما رأيك في التدوينة؟