الأحد، 19 ديسمبر 2010

الكويت : الرأي الآخر



في كتابه " الكويت : الراي الآخر " يشخّص الدكتور عبدالله النفيسي الحالة الكويتية فيقسم المآزق التي تواجهنا الى ثلاثة  :
  1. المأزق الإقتصادي .
  2. المأزق الإجتماعي .
  3. المأزق السياسي .
في هذه التدوينة سأبدأ باستعراض " المأزق السياسي " كما سماه النفيسي على اعتبار انه الأكثر إلحاحاً في هذه الفترة الحرجة من تاريخ الكويت ، فقط أريد أن أنوّه الى أن الكتاب نُشر في العام 1978 ، حيث كانت الحياة الديمقراطية متوقفة نتيجة لحل مجلس الأمة في عام 1976 في عهد الأمير الراحل الشيخ صباح السالم الصباح رحمه الله ،وقد كان هذا الحل هو الأول في تاريخ مجلس الأمة الكويتي.
في الجزء المعنون " المأزق السياسي " يحاول النفيسي ان يحلل اسباب نشوء الديمقراطية في الكويت، ثم يستعرض إنجازات مجلس الأمة في تلك الفترة منذ 1963 حتى 1976 مفنداً محاولات تشويه دور المجلس و أعضاءه ، ثم يشرح تبدل الظروف الداخلية و الخارجية التي دفعت الى تبدل موقف القيادة السياسية من الديمقراطية ، كذلك يتكلم عن ما حصل في الكويت سنة 1967 بشئ من التفصيل. 

أنا سأنقل لكم كل ما سبق باستثناء الجزء المتعلق باستعراض انجازات مجلس الامة  وتفاصيل تزوير انتخابات 1967 لأنني لا أعتقد أن هناك في هذا العصر من يشك  بفعالية الديمقراطية وتأثيرها الايجابي على مسيرة وطننا وان كانت ديمقراطية محدودة كما يصفها النفيسي في كتابه. وكذلك أزعم أن  تفاصيل تزوير انتخابات 67 غير خافية على أحد.

يفتتح النفيسي شارحاً ( من وجهة نظره ) العوامل التي أدت الى نشوء الديمقراطية في الكويت :

القيادة السياسية في أي بلد ، لا تنطلق في سياساتها أو خطواتها من قناعات مجردة . ثمة ظروفاً داخلية و اخرى خارجية تضغط عليها،و أحيانا تفرض عليها نمطاً معيناً من الذرائعية السياسية.أحياناً تبلغ أحجام هذه الضغوط الداخلية و الخارجية على القيادة السياسية في اي بلد مبلغاً لا يمكنها من اية اختيارات ذاتية. والقيادة السياسية في الكويت، كأي قيادة سياسية في أي بلد تعرضت في التاريخ و تتعرض اليوم و ستتعرض في المستقبل لمثل هذه العوامل التي تفضي بها إلى التفكير الذرائعي البراجماتي أحيانا كثيرة وبعيدا عن قناعاتها الذاتية. ولا يمكن فهم قصة " الديمقراطية " في الكويت بمعزل عما سبق ذكره  . بمعنى آخر لا يمكن فهم نشوء الشكل النيابي الذي عاشه الكويت على مدى 14 عاماً بمعزل عن فهم الظروف الداخلية والخارجية التي أدت إليه. فخلال السنوات الأولى من الاستقلال وبالذات 1961 - 1965 كانت القيادة السياسية في الكويت تواجه عوامل داخلية و خارجية عديدة أفضت بها الى القبول على مضض بالشكل الديمقراطي المحدود للحكم.

العوامل الضاغطة بنظر د. عبدالله النفيسي أنقلها بشئ من الاختصار :

  1. مطالبة عبدالكريم قاسم رئيس الجمهورية العراقية في مؤتمر صحفي بتاريخ 24\6\1961 بضم الكويت الى الأراضي العراقية.لقد كانت الجمهورية الوليدة في بغداد حبلى بالزخم الذي تراكم عبر قرون في العراق من الحكم الأجنبي العثماني ثم الانجليزي. لقد كان هذا الزخم كفيلا بان يكتسح الكويت خلال ساعات لولا تداخل و تشابك بعض المصالح العربية والدولية في السعي لمعارضته و مقاومته . لقد نظرت القيادة السياسية في الكويت للمطالبة العراقية على أنها خطيرة للغاية الى درجة أنها طلبت النجدة العسكرية من بريطانيا وفعلا تمت عملية الانزال البريطاني في البر الكويتي في صيف 1961 و عرفت بعملية " فانتاج " .
  2. تيار القومية العربية العارم الذي كان بزعامة عبدالناصر، فقد كان لــ عبدالناصر إعلاما خطيرا قويا نافذاً وامتداداً جماهيرياً كبيراً في الخليج والجزيرة . الناس كانوا يُعلّقون صوره في البيوت و المجالس و يحملونها في المحافظ و يسمون مواليدهم باسمه و يتجمعون حول أجهزة المذياع ليسمعوه عندما يتكلم وقد كان خطيباً لاذعاً.لقد كان عبد الناصر عبارة عن مظلة يستظل بها كثير من الحركات المعارضة في أكثر من قطر عربي وكانت القاهرة أيامها عاصمة العرب، وبغض النظر عن وجهة نظري الشخصية في عبدالناصر و التيار الذي صنعه الا أنه كان قلقاً مشتركاً لدى الأنظمة المحافظة ومنها نظام الكويت.
  3. ولّد عبد الناصر تياراً ناصرياً قوياً في الكويت كان يمثل رأس الحركة الوطنية رغم أن نشوء هذه الحركة في الأساس سبق ناصر تاريخياً.استطاع هذا التيار ان يتنفذ في اكثر قطاعات الشعب الكويتي يقظة وهو الاتحاد الوطني لطلبة الكويت. كان الاتحاد أيامها ناصرياً صرفاً حتى أن مؤتمراته كانت تعقد في القاهرة.
  4. بروز حركة وطنية متماسكة في الكويت قادرة على عمليات الاستدعاء السياسي و تحريك الشارع تحريكا سريعا منظما وتنظيم و مظاهرات 1959 و 1961 شاهدا على ذلك.
  5. طبقة التجار أرادت لنفسها مزيدا من النفوذ السياسي فركبت موجة الوطنية و تهادنت مع الحركة الوطنية.
  6. حداثة التجربة السياسية للقيادة في هذا البلد و عدم وجود علاقات خارجية واسعة لها.
  7. التجانس و التماسك السكاني هيأ فرص أكبر للتماسك على المستوى الشعبي.
يكمل النفيسي شارحاً :
    كل هذه العوامل تجمعت في فترة واحدة فتمخضت عن الديمقراطية المحدودة التي عاشها الكويت لمدة أربعة عشر عاماً. 

    هنا يستعرض النفيسي الأسباب التي أدت الى الردة عن الديمقراطية في الكويت.

    تعالوا نتعرف ماذا حدث لهذه العوامل (المذكورة أعلاه ) و نستكشف ما استجد من عوامل اخرى.

    مطالبة العراق بضم الكويت انتهت بمقتل عبدالكريم قاسم على أيدي البعث العراقي و تحولت القضية الى خلافات حول جزر وربة وبوبيان ،اعترف اذن العراق بالكويت ككيان سياسي مستقل تماما عنه وتخلى عن فكرة الضم التي نادى بها عبدالكريم قاسم . أما الخلاف بين الدولتين فهو اليوم خلاف حول الحدود لا الكيان و هذا أمر يحدث بين كثير من الدول.

    تيار القومية العربية الذي رعاه عبدالناصر في كل الاقطار العربية ضرب ضربات موجعة مع هزائم ناصر العسكرية و السياسية: الحرب اليمنية، إنفصال سوريا عن دولة الوحدة ، فشل حركة عبدالوهاب الشواف في الموصل، هزيمة حزيران 67 ،فشل عبدالقوي مكاوي  وجبهة التحرير التي يرأسها من استلام عدن بعد رحيل الأنجليز، وفي النهاية... وفاة عبدالناصر في سبتمبر 1970 . إذن غاب عبد الناصر أيضاً.

    أما الحركة الوطنية المتماسكة في الكويت والتي برزت في تلك الفترة 1956 - 1965 بروزا واضحا فقد تعرضت لكثير من الهزات خاصة  بعد هزيمة 67 عندما نشب الخلاف الحاد داخل الحركة الأم في بيروت بقيادة د.جورج حبش حول ضرورة مركسة الحركة وتبنيها الاشتراكية  العلمية كدليل تاريخي . إنفلشت الحركة في الكويت و أصابها الكثير من التمزق الظاهر الذي ما زالت تعاني منه الى الآن.

    اما الائتلاف بين طبقة التجار و الحركة الوطنية فقد تعرض لما كان متوقعاً ان يتعرض اليه من اختلال، فقد برز التناقض الواضح بين الجانبين إثر تحقيق ( طبقة التجار ) لمزيد من تراكمات رأس المال و انفراج الحالة الداخلية سياسياً ثبّت كل ذلك اليسْرنة التي مرت بها الحركة الوطنية إثر حرب حزيرن 67 .

    اكتسب النظام العلاقات الخارجية القوية وتمكن من خلال تلك العلاقات القوية على المستوى العربي خاصة و الدولي عامة من تحييد الكثير من الضغوط التي كان يتعرض لها في السابق. حتى عبد الناصر في أيامه الاخير بات ميالا الى التفاهم مع النظام أكثر من الضغط عليه. ساهم  " الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية " مساهمة كبيرة في تأسيس تلك العلاقات الخارجية القوية لذلك فأعماله و مشاريعه و تطوراتها من أهم المواضيع التي تبحث في الدورات الدبلوماسية لوزارة الخارجية الكويتية. زد على ذلك أن التجانس السكاني قد تعرض بدوره الى اختلالات أساسية مع إعادة تنظيم البلد عمرانياً ومع الموجة الزاخرة من هجرة الوافدين.

    بالإضافة الى كل ذلك استجدت ظروف في منطق الخليج و الجزيرة صارت تؤثر على سياسات النظام الكويتي و رؤاه .
    1. الإتفاق العراقي الإيراني دفع النظام لمزيد من الإتكاء على السعودية القطب الثالث في المنطقة وكان لهذا الإتكاء ثمنه الواضح في المناخ العام الذي يبثه النظام في الداخل والمسالك التي يختارها في سياساته الخارجية.
    2. إنحسار الثورة عسكرياً في ظفار نظراً لعدة عوامل ذاتية و خارجية من أبرزها التدخل الإيراني أعطى الأنظمة المحافظة في المنطقة مزيداً من الثقة بالنفس رغم الجلبة التي كانت تثيرها في الجامعة العربية حول الوجود الإيراني في السلطنة.
    3. اللغة التفاهمية الجديدة التي بدأت تشيع في علاقات السعودية باليمن الجنوبي لاشك تبعث الارتياح في الأوساط المحافظة بعد أن كانت عدن في الفترة القريبة ما بعد استقلالها عام 67 بؤرة للثورة تهدد البحر الرأسمالي المحيط بها.
    4. منطقة الخليج - خاصة بعد الحظر المبتسر للبترول عام 73 - اكتسبت بروزاً عربياً و دولياً بالغاً ومن خلال منظمة الأوبك بحيث أصبحت كل الأطراف العربية و الدولية تحاول كسب رضاها و التقرب منها .
    5. جاءت إنتكاسة الديمقراطية في البحرين في أغسطس 1975 لتؤكد بأن هذه المرحلة هي مرحلة النظم لا الشعوب. إن ضرب حرية وطموحات الشعب البحريني مع غياب أية ردود فعل شعبية في المنطقة أعطت ......... الضوء الأخضر للقيام بعملية مماثلة.




    هناك 7 تعليقات:

    1. مجهود رائع ، شكرا لك على كتابه صفحات من هذا الكتاب القيم .

      ردحذف
    2. احيي اطلاعك الواسع وقراءتك لهذا الكتاب الجميل

      اذكر انني قرأته من باب معرفة الاوضاع السياسية التي عاشها النفيسي في اواخر لا لتحليل اوضاعنا السياسية الآن وإن تشابهت بعض مظاهر (المآزق)

      حتى تتم الاستفادة من هذا الكتاب.. حاولي استنباط الأصول الكلية والمبادئ والقيم السياسية التي تضمنها الكتاب.. حاولي معرفة القواعد الرئيسية للعبة السياسية التي تتكرر في جميع الازمنة وقارنيها بواقع اليوم..
      ولا تركزي كثيراً على تفاصيل الاحداث.. والا اصبح كتاب كتاريخ

      اسجل اعجابي بهذه المدونة واطروحاتك الرزينة اخت فجر

      ردحذف
    3. أهلا وسهلا أخي طلال

      ملاحظة رائعة ، وسأعمل بها ما لفت نظري هو استمرار ذات المشاكل و تضخمها منذ ذلك الوقت حتى اليوم

      حللت أهلا و " تصفحت " سهلا

      ردحذف
    4. إذا الشـــعبُ يومًــا أراد الحيــاة فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ

      أُبــارك فـي النـاس أهـلَ الطمـوح ومــن يســتلذُّ ركــوبَ الخــطرْ

      أسجل اعجابي بالمدونه و مجهود يستحق الشكر و التقدير

      ردحذف
    5. Anwar Askar
      أنور العسكر

      أهلا بك و ألف شكرا على ما كتبت من أبيات هي اليوم شعار كل عربي

      ردحذف
    6. مدونة مناهج التعليم في الكويت مدونة الكترونية تعليمية تحتوي علي دروس وامتحانات والكتب المدرسي وفق مدرستي الكويتية.
      https://educkuwite.blogspot.com

      ردحذف

    ما رأيك في التدوينة؟