الأربعاء، 16 يناير 2013

البؤساء: جافير ... الميت لا محالة.


يعرض في دور السينما هذه الأيام نسخة غنائية لفيلم البؤساء، المستوحى من واحدة من أعظم روايات القرن التاسع عشر، المعنونة بالاسم ذاته للروائي والشاعر والسياسي فيكتور هوغو، التي يشرّح فيها الظلم الاجتماعي في فرنسا في أعقاب سقوط نابليون بونابارت العام 1815 وحتى العام 1832.

شاهدت نسخا سينمائية مختلفة للرواية وقرأتها مراراً، من دون أن تكون معرفتي المسبقة بأحداثها سبباً للملل أو قاتلة لعامل التشويق، لأن البراعة في رسم شخصيات الرواية ومراقبة نمو تلك الشخصيات المعقدة أحياناً وما تخوضه من صراعات إنسانية،
لا يفقد وهجه أبداً، بل نكتشف في كل مرة جانباً غفلنا عنه، أو لم يسعفنا تحصيلنا من المعرفة أو التجارب لإدراكه حينها، فنتلقفه بسعادة من اطلع على سر مقدس، واليوم، وإذ تختار هوليوود زمن الثورة العربية لتعيد إنتاج «البؤساء»، فإننا لا نملك إلا أن نُسقط الأحداث والشخصيات على واقعنا العربي الذي يشبه بشكل كبير ما يصفه هوغو من ظلم اجتماعي نما وترعرع، بسبب وكنتيجة للظلم السياسي أولاً وأخيراً.

توقفت كثيراً عند «جافير» الشخصية المحورية بالرواية بالمسار الذي تتخذه شخصيته، وبما يمثله من رمزية، فهو القانون، وهو أداة السلطة، وهو السلطة أحياناً.

يبدو جافير منفصلا تماماً عن الواقع، وغير مدرك لما يريده الناس.. في أحد المشاهد يهم بالقبض على امرأة ما، فتتوسل إليه بلا جدوى. لم يكن عدم سماعه لها اختياراً حراً أقدم عليه، بل كان عجزاً منه عن سماع صرخات المظلومين، فهو أصم لا يسمع.. كالقانون والسلطة أحياناً.

وجافير غير مدرك لطبيعة النفس البشرية التي تخطئ وتتوب، لأن الضعف الإنساني أعمق من أن يدركه قانون جامد بلا روح، وهذا ما كان عليه جافير، وهذا ما يمثله.
يمضي جافير حياته في مطاردة من يصنفهم كمجرمين، لا لتصويب مسارهم وتأهيلهم، بل لمعاقبتهم وللانتقام منهم. في الأولى يكون الدافع هو الحب، أما الثانية، فالدافع هو الكراهية لمن يصنفهم كأشرار ينتمون لطبقات اجتماعية دُنيا، فيما هم مجرَّد أناس بتجارب ورؤى مختلفة.

يبدو جافير في بداية الرواية قوياً واثقاً، وفي حين تتصاعد الأحداث، يهتز جافير القوي ويفقد توازنه، عندما يواجه صورته في المرآة الإنسانية
فيموت.. يموت جافير، لأنه كان يحمل أسباب فنائه في داخله طوال حياته، فالتعسف باستعمال القانون والبطش والانفصال عن الواقع.. كلها أمراض قاتلة انقلبت على حاملها وقتلته في النهاية، وهذه هي النهاية الطبيعية لجافير وكل من يتمثله ويشبهه.

رابط المقال

الصورة للممثل راسل كرو الذي يقوم بدور المفتش جافير.
مصدر الصورة : مجلة فوغ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما رأيك في التدوينة؟