الثلاثاء، 15 يناير 2013

وفى كل يــوم أنت فــى القبر تكبر

زمانـك بستـانٌ .. وعصـركَ أخضرُ
وذكـراكَ ، عصـفورٌ مـن القلب ينقرُ
ُ
ملأنا لك الأقــداحَ ، يا مــن بِحُبّـه
سكِـرنا ، كما الصـوفىّ بالله يســكرُ
ُ
دخلت على تاريخنـــا ذات ليلـــةٍ
فرائحــةُ التاريــخ مسكٌ وعنبــرُ
ُ
وكنت َ، فكـانت فى الحقــول سنابلٌ
وكانت عصــافير ٌ.. وكان صــنوبرُ
ُ
لمسْتَ أمانينــا ، فصــارتْ جداولاً
وأمطــرتنا حبّـا ، ولا زلتَ تمطــرُ
ُ
تأخّــرت عن وعــد الهوى يا حبيبنا
وما كنت عن وعــد الهــوى تتأخرُ
ُ
سَهِدْنا .. وفكّــرنا .. وشاخت دموعنـا
وشابت ليالينــا ، وما كنت تحضــُرُ

ُتعاودنـــى ذكــراك كلّ عشيّــةٍ
ويورق فكـــرى حين فيــك أفكّر ..

وتأبى جراحـــي أن تضــمّ شفاهها
كأن جــراح الحــبّ لا تتخثّـــرُ
ُ
أحبّك لا تفسيــر عنــدى لصَبْوتـى
أفسّـر ماذا ؟ والهـــوى لا يفسَّــرُ

تأخرت يا أغلـى الرجـــال ، فليلنـا
طويـل ، وأضــواء القناديـل تسهرُ
ُ
تأخّـرت .. فالسـاعات تـأكل نفسهـا
وأيامنا فــى بعضهــــا تتعثّــرُ
ُ
أتسأل عن أعمــارنا ؟ أنت عمــرنا
وأنت لنا المهــدىّ .. أنت المحــرّرُ
ُ
وأنت أبو الثــورات ، أنت وقـودهـا
وأنت انبعـاث الأرض، أنت التغيّــرُ
ُ
تضيق قبـور الميتيــن بمــن بهـا
وفى كل يــوم أنت فــى القبر تكبرُ
ُ
تأخــرت عنّا .. فالجيــاد حـزينـة
وسيفك مـن أشـواقه ، كـاد يكفـــرُ
ُ
حصانـك فـى سينـاء يشـرب دمعَهُ
ويا لعــذاب الخيــل ، إذ تتـذكـّرُ
ُ
وراياتك الخضــراء تمضــغ دربها
وفـوقك آلاف الأكاليــل تُضـــْفَرُ
ُ
تأخــرت عنا .. فالمسيــح معـذّب
ٌهناك ، وجــرح المجــدلية أحمرُ ..

نساء فلسطيـنٍ تكحّلـن بالأســــى
وفى بيت لحــمٍ قاصـراتٌ .. وقصّرُ
ُ
و ليمونُ يـافـا يـابسٌ فـى حقولــهِ
وهل شجــرٌ فى قبضـة الظلم يُزهرُ ؟

رفيق صــلاح الدين .. هل لك عودةٌ
فإن جيـوش الــروم تنهــى وتأمرُ
ُ
رفاقك فى الأغــوار شـدّوا سُروجَهم
وجنـدك فى حِطِّين ، صلّوا .. وكبّروا ..

تُغنّـى بـك الدّنيــا .. كأنك طـارق
ٌعلى بـركات الله ، يرســو .. ويُبحرُ
ُ
تناديـك من شــوقٍ مـآذنُ مكّــةٍ
وتبكيـك بَــدر ٌ، يا حبيبـى ، وخيبرُ
ُ
ويبكيـك صـفصاف الشــام ووردها
ويبكيـك زهـرُ الغـوطتين ، ودُمَّــرُ

ُتعال إلينــا .. فالمــروءات أطرقت
وموطــن آبائــى زجـاج مكسّرُ ..

هزمنـا .. ومـا زلنـا شِتـاتَ قبائـل
ِتعيشُ على الحقــد الدفيــن وتثـأرُ
ُ
رفيق صــلاح الدين .. هل لك عـودة
ٌفإن جيـوش الــروم تنهـى ، وتأمرُ
ُ
يحاصــرنا كالمــوت ألفُ خليفــةً
ففى الشرق هولاكو .. وفى الغرب قيصرُ
ُ
أبا خالـد أشكـو إليــك مـواجعـى
ومثلــى له عــذرٌ .. ومثلك يعــذرُ
ُ
أنا شجــرُ الأحــزان ، أنـزفُ دائماً
وفى الثلـج والأنـواءِ .. أعطـى وأُثمرُ
ُ
يثيـرُ حــزيـرانٌ جنونـى ونقْمتَـى
فأغتال أوثانــى .. وأبكـى .. وأكفـرُ
ُ
وأذبــح أهـلَ الكـهف فـوق فراشهم
جميعاً ، ومن بـوّابـة المــوت أعبرُ
ُ
وأتـرك خلفــى ناقتـى وعباءتــى
وأمشى .. أنا فى رَقْبــة الشمس خِنجرُ

ُوأصـرخُ : يا أرض الخرافات ِ.. احْبلى
لعلّ مسيحــاً ثانيـاً .. سوف يظهرُ .. 

شعر:نزار قباني
الصورة من الشبكة العنكبوتبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما رأيك في التدوينة؟