الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

شرعية الإنسان.. تسبق الكيان


بينما يُعرف المواطن بناءً على طبيعة علاقته بالدولة ومؤسساتها وما توجبه هذه العلاقة من حقوق مدنية وسياسية وواجبات، يُعرف حاملو الجنسية الكويتية أنفسهم بناءً على أفضليتهم على غير حامليها، سواء كانوا من عديمي الجنسية أو من حاملي جنسيات أخرى.. ذلك أن كل ما تتمتع به الكتلة السكانية المعروفة بـ «الكويتيين» هي امتيازات جادت بها يد السلطة، تكرماً وفضلاً، لا حقاً وقانوناً، والفرق كبير بين الحق والامتياز، كما الفرق بين القانون والمكرمة.
فنحن نتعلم مجاناً ونتطبب مجاناً ويسمح لنا بالتنقل والسفر والزواج وتأسيس أسرة واستخراج شهادات الميلاد والوفاة، لأننا نحمل الجنسية، وليس لأننا بشر لهم حقوق، فيما يحرم من كل ما سبق عديمو الجنسية، ويحصل عليها حاملو الجنسيات الأخرى، وفق اشتراطات معينة.
من هنا نبتت الشوفينية الكويتية، وتغذى وهم التفوق، ومن هنا ظهرت عبارات كـ «كيفي كويتي»، ومن هذا المنطلق للأسف، وفي ظل انخفاض مستوى الوعي الحقوقي يتحدد موقف كثير منا من قضايا حقوقية مختلفة، أهمها على الإطلاق هي قضية عديمي الجنسية التي ولدت مع ولادة الدولة الحديثة وتفاقمت لاحقاً، بسبب سياسات التضييق التي بدأت في سنة 1986.
وعلى عكس ما يظنه كثيرون، فإن قضية عديمي الجنسية ليست قضية فريدة وخاصة بالجنة الكويتية، بل هي موجودة في أكثر من 65 بلداً حول العالم، ويقدر تعداد أصحابها بما يتجاوز الستة ملايين طبقاً لمنظمة العفو الدولية، وبما يتجاوز الـ 12 مليوناً طبقاً للمفوضية السامية لحقوق اللاجئين، وعلى اختلاف مسبباتها تتمثل الفرادة الكويتية (والفرادة تسعد الشوفينيين) في هذه النقطة.. في السبب وفي السنوات الأولى لنشأة الدولة الحديثة.
ولعل العودة للمسميات المختلفة التي أطلقتها السلطة على هذه الفئة تعطي مؤشرات على موقفها منهم والخط الذي انتهجته في التعامل معهم، فقد كانوا في السنوات الأولى (أبناء البادية) وفي هذا إقرار بتبعيتهم للدولة، ثم صاروا «بدون جنسية»،ثم ازدادت العدائية، فصاروا «غير كويتيين»، وأخيراً بلغت العدائية ذروتها بتسميتهم بـ «المقيمين بصورة غير قانونية».. وهنا بلغ اللؤم والغباء ذروتهما،فهذا المسمى يجرم المعنيين فيه من ناحية، ويدين من أطلقه عليهم، لتقصيره من ناحية أخرى، فإن كانوا فعلاً مقيمين بصورة غير قانونية (وهذا ما لا نقر به)، فكيف دخلوا البلاد؟ وأين أمن حدودكم وقواتكم؟ وكيف عملوا في مؤسساتكم الحكومية طوال العقود الماضية؟!
إن تكرار هذه المشكلة في عديد من دول العالم له علاقة بنشأة الدول الحديثة مطلع القرن الماضي، وليس ما يتوهمه البعض من طمع في جنتهم، وهو ما يستحق المراجعة والتصحيح، فالإنسان أكثر شرعية وأولوية من أي كيان، فقبل أن تتفاوضوا مع القوى الموجودة آنذاك لتحديد الحدود، كان العربي البدوي موجودا هنا.
وكعادته دوماً متحرراً من كل حد وقيد، كان البدوي يعبر شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، غير عارف أن المكان الذي حطت إبله فيه اليوم سيكون وطناً حصرياً لغيره غداً، وأنه إذ يطارد الربيع اليوم، فإنه سيدفع ثمن هذه المطاردة طرداً من أرضه التي تضرب جذوره في أعماقها.
لا أعرف شعور مشعل عايش الذي احتجز الأسبوع الماضي على الحدود الكويتية - السعودية، لكني أستطيع أن أتخيل ما معنى أن تكون معلقاً بين السماء والأرض، فلا أنت المحلق ولا أنت الواقف على الأرض، مشطوراً بين حدين تحاول جاهداً ألا يتعمق الشرخ، ليصل قلبك، فلا أنت المواطن ولا أنت بالغريب، مفارقة لا تخلو من رمزية تعبر عن واقع الحال ذكرتني بقصة اللاجئ الإيراني مهران كريمي، الذي ظل عالقاً في مطار شارل ديغول لثمانية عشر عاماً متواصلة، لعدم حيازته أوراقا ثبوتية، وقد اقتبس توم هانكس قصته وحولها لفيلم لاحقاً، لكن مشعل ليس لاجئاً وليس بأجنبي واستمرار التمييز الممنهج ضده وأمثاله الذين يتجاوزون التسعين ألفاً غير مقبول، ويجب أن يتوقف حالاً. 
إن شرعية مشعل وأمثاله سابقة على الكيان، والأخير يستمد شرعيته منها لا العكس، لأن الإنسان هو القيمة الأعلى، أو هذا ما يجب أن يكون.جدير بالذكر أن القضية تتقاطع بشروخ ومشاكل تتعلق بمفهوم المواطنة في الكويت عموماً، وبنظرة المواطنين لبعضهم البعض، وبفشل السلطة في تكوين هوية تجمع المواطنين، بل في مساهمتها في تفتيت المواطنة، ما يعقد الوضع أكثر، لكن هذا التعقيد يجب ألا يقف عائقاً أمام الحل، بل أن يكون دافعاً له.
 لن أحلم بسياسي بضمير حي لحل هذه القضية، بل يكفي أن يكون سياسيا ذا رؤية، ليدرك أن كلفة ترك الحال كما هي أعلى بكثير من كلفة الحل الذي يبدو مراً لمن لا يرى في الجنسية إلا امتيازات يحرص على دوامها حصرياً له.كما أننا نراهن على الحراك الشعبي، فقضية كهذه يجب أن تكون في قلبه وعلى سلم أولوياته، وهي كذلك لدى كثير من الناشطين فيه، وأنا أزعم أن استعادة الشعب لزمام المبادرة والمشاركة في الحُكم سيساهم في حلها وإنهاء معاناة أصحابها.

الصور من الشبكة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما رأيك في التدوينة؟