في بدايات و لعي بالقراءة قررت شراء المجموعة الكاملة لجبران خليل جبران وبينما كنت أتناقش مع البائع عن أفضل الطبعات المتوفرة جرنا الحديث إلى جبران نفسه الذي كان يحدثني عنه البائع اللبناني بفخر و اعتزاز شديدين و راح يعدد لي مزاياه التي كان أهمها بنظر البائع أن جبران كان ( لبناني حقيقي) واستطرد بعبارات إقصائية لبقية مواطنيه. اشتريت المجموعة و غادرت لكن دهشتي مما قاله البائع لم تغادرني ولم تسعفني حداثة سني آنذاك لاستيعابه.
تذكرت هذا الموقف عندما قرأت مقترحاً قدمه أعضاء في المجلس الحالي بتعديل مواد قانون الانتخاب و تضمينها شرطاً ينص على قصر حق الترشح بمن استوطن أجداده الكويت قبل العام 1920، ثم تابعت المؤتمر الصحفي الذي تحدث فيه أحد مقدمي الإقتراح بلا خجل و بحماس و ثقة منقطعة النظير عن مقترحه العنصري الذي ينسف مفهوم المواطنة الهش أصلاً في بلادنا.
لم يكن الحديث عن الأصيل و الدخيل مفاجئاً بالنسبة لي قياساً على طرح أعضاء المجلس الحالي و تاريخهم ، ولم يكن جديداً أيضاً بل هو يتردد منذ سنوات على مسامعنا في إعلام الموالاة و صحفهم و هو ما كررته منذ أيام شقيقة رئيس الدولة، وهنا تكمن خطورة ما يحصل فقد تحولت هذه الأفكار إلى قناعة راسخة لدى قطاعات لا يستهان بها من المواطنين للأسف و ساهم هذا بترسيخ الإنشطارات الإجتماعية بالإضافة للشروخ بمفهوم المواطنة الذي لم تُؤسس له الدولة تأسيسًا صحيحاً وبل ساهمت بممارساتها على مدى عقود من الزمن بتفكيكه، والمؤسف أكثر هو ما أراه من اتساق هذا الخطاب مع السردية الرسمية للدولة و ما تمثله و ما قامت عليه، فالقارئ للتاريخ بتعمق سيجد بذور العنصرية المزدهرة اليوم منذ بداية النشأة فالمقدمات غالباً ما تحمل مؤشرات عن محتوى المتن و الهامش ومنذ البداية أُريد للبعض أن يكون هامشاً و أن يبقى كذلك.
واليوم و إذ يتحدث البعض عن مواطنين أصلاء و آخرين مزيفين فإنها فرصة لإعادة قراءة التاريخ الحقيقي و ليس المفتعل، و هو ما سيكون مدخلاً مثالياً لتصويب الدفة و الإجابة عن سؤال الأصالة و حسمه نهائياً كخطوة لابد منها للتأسيس لمفهوم المواطنة.
جدير بالذكر أن ما ردده بائع الكتب على مسامعي دفعني لقراءة التاريخ لأكتشفت لاحقاً أن جبران كان سورياً بمقاييس زمنه و في كتاباته كثيراً ما يشير لوطنه (سوريا)، وذلك لأن ولادته كانت سابقة على ولادة الكيان اللبناني، فقد ولد جبران في العام 1883 فيما ولد الكيان اللبناني في العام 1920 ، كذب البائع إذاً و زيف التاريخ ليرضي نوازعه العنصرية، وكثيرون اليوم يفعلون المثل، الفرق أني اليوم أكثر وعياً بحقائق التاريخ،و قد أدركت أن جبران كان أكثر أصالة من الهوية التي حاول البائع إلصاقه بها بحكم أسبقية جبران عليها.
أليست الأسبقية هي الأهم اليوم طبقاً لمعايير و منطق السلطة و أبواقها و أدواتها؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ما رأيك في التدوينة؟