الأربعاء، 9 يناير 2013

و يحدثونك عن القانون !

وإذ تحدثهم عن الظلم، فيحدثونك عن القانون، تشرح لهم واقع الحال، فيمطرونك بتنظيرات لا تصمد دقيقة واحدة على أرض الواقع، ثم يعودون للقانون. تحدثهم عن الانتهاكات اليومية لحقوق الإنسان، فيبررونه بالقانون أيضاً، ثم تحدثهم عن الحقوق التي تنتزع ولا تعطى، فيحدثونك عن الطعام الذي يأكلون، والسقف الذي يستظلون به، ذلك أنهم يرون المواطنة، بكل ما تستوجبه من حقوق وواجبات، ثمناً يدفع مقابل الطعام والأمن والسكن لا حقاً، هم في أحسن الأحوال مُساكنين على حد تعبير د.محمد الأحمري لا مواطنين.
فما القانون؟ ما الذي يمنحه قدسيته؟ وما الذي يمنحه قوة الردع؟ وكيف نكون دونه ومعه؟ وكيف يكون فوقنا.. ولنا؟ وهل كل قانون جدير بأن يكون قانوناً؟
القانون، هذه القواعد التي يرتضيها الناس حكماً بينهم وشريعة يعيشون بها، وتنظم حياتهم وعلاقتهم بالآخرين وبالدولة، يكتسب قدسيته من عدالته، ومن كونه ملجأ للناس من ظلم الظالمين وبطش المتنفذين، ومن كونه فوق الجميع، حكاماً ومحكومين، لا من كوننا دونه مسحوقين بسطوة من يملكه، ومن كونه لنا لحمايتنا وليس ضدنا، علينا لحماية من يحتكر أدواته.
 ويكتسب القانون قوته الرادعة، بتطبيقه على الجميع، بغض النظر عن ابن وزير أو خفير، كما يكتسب قوته الرادعة من كون العقوبة متناسبة مع حجم الجرم، فلا يعاقب السارق كما يعاقب القاتل مثلاً، بل تكون العقوبة متناسبة مع درجة الجرم المرتكب، وإلا استهتر الناس بالقانون وبمن ينفذه.
يحمل البعض تصوراً حالماً عن القانون، ويكفيه أن تصف نصاً ما بالقانوني ليقدِّسه، بغض النظر عن محتواه، بينما القانون يستمد من معتقدات وقناعات المجتمع، ولا يفرض عليه فرضاً، وإن تناقض القانون مع معتقدات المجتمع وقيم العصر، فإنه لن يصمد وسيتعرض للخرق مرارا.. ذلك أن كثيراً من القوانين تتشكل بالبداية كأعراف اجتماعية، ثم تتحوَّل لقانون، فمن كان يصدِّق أن تجمُّعات صغيرة تعد بالعشرات تعد خرقاً للعرف والقانون معاً من قِبل البعض ستقصي في نهاية المطاف برئيس الوزراء آنذاك في سابقة تاريخية؟! ومن يستطيع أن يتخيَّل أن العبودية والرق كانا عرفاً مقبولاً في يوم من الأيام، وأن التمييز العنصري ضد السود كان قانونياً في الولايات الأميركية، وأن روزا باركس التي رفضت التخلي عن مقعدها لرجل أبيض، فأشعلت شرارة حركة الحقوق المدنية كانت تخرق قانوناً بفعلها هذا، وأن سياسة الفصل العنصري التي استمرت حتى التسعينات في جنوب أفريقيا كانت تتم وفقاً للقانون؟! واسمحوا لي بتذكيركم بأن سلب المرأة حقها السياسي في بلدنا كان قانونياً أيضاً. 
الأمثلة السابقة تقول بوضوحإن القانون يقدَّس بقدر تقديسه للإنسان وقيمته المتعالية على كل القيم، فلم يصمد قانون ينتهك الإنسانية بلا خرق وتجاوز، والتاريخ العالمي يشهد، وبل المحلي كذلك.
في المرة المقبلة التي يحدثونك فيها عن القانون، حدثهم عن شركة الناقلات، وحدثهم عن المرحوم عامر خليف العنزي، ولا تنسَ محمد الميموني، ولا بد أن تعرج إلى قضية راشد العنزي الحُر الوحيد في هذا الوطن، حتى إشعار آخر.
الصورة من الشبكة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما رأيك في التدوينة؟